بعد تلك الحادثة، استمرت حياتنا كالعادة و لا جديد يذكر فيها حتى مرّ أول عام لنا في ذلك المنزل، بلغت الخامسة من عمري بينما (راين) بلغ الرابعة.


لا جديد يقال كما ذكرت، لكن (راين) تغيّر إلى شخص مختلف تماما، و أصبحت تصرفاته غريبة عن المعتاد مثل أن يمضي وقتاً طويلاً ينظر أمام ضريح والدنا رغم أننا لم نلتقه من قبل و لم تتسنَ لنا الفرصة للحزن على فراقه، بالنسبة لي ، كنت أرغب في التغيير أيضاً لكنني لم أعلم كيف.


في أحد الأيام ، زارت والدتي بعض الجيران و كانت تتحدث إلى هاتين السيداتين الهرمتين اللتين كانتا لديهما الكثير من الأحفاد في عمري و الذين كانوا يركضون في كل مكان هناك، و استمروا في الحديث عن ذلك الشيء الذي يدعى مرحلة الدخول إلى المدرسة.


و عندما سألت والدتي عن هذا الأمر بسبب أنّه أثار فضولي، كل ما فعلته كان الضحك و القول: "أنت مميزة و مختلفة (يوكينا)، بالإضافة إلى أنك صغيرة للغاية كي تذهبي إلى هناك ".


لكنني عبست حينها و إنزعجت مما قالته، لذلك أحسّت والدتي ببعض القلق حول مشاعري، و ما أعنيه بذلك هو أن والدتي لم تكن تريد مني الذهاب إلى الرعاية النهارية - أو كما تسمى بالروضة- خوفًا من أن أصبح شديدة الإهمال و أن أتحول إلى ذئب على حين غفلة.


لذلك أصررت على جعلها توافق، و اشتكيت و أشتكيت حتى كنت متأكدة من أن الطريقة الوحيدة لإقناعها ، كانت أن تأخذ الأمور بيدي أي تثق بي، و تترك كل شيء عليّ بلا قلق، لأنه سيأتي وقت لن تكون بجانبي و سيتوجب علي فيه حماية نفسي بمفردي.


فانتظرت فرصة لجعلها تأتمنني على قدراتي، لذلك إنتظرتها حتى زارت بعض الجيران مجدداً و أصبحت جالسة على الشرفة و تتحدث معهم و كنت جالسةً معهم حينها، انتظرت حتى يغفلوا عنيّ و قفزت من الشرفة ، ثم تحولت إلى ذئب بسرعة و كنت لازلت مرتدية ملابسي حتى أنهم لم يكونوا يعلمون أنني كنت ذلك الذئب.


صاح احداهن بفزع: "يا إلهي، هل هذا ذئب حقيقي !".


أجابها زوجها قائلاً: "بالطبع لا ، الذئاب شبه منقرضة و لن تدخل هذه القرية بسهولة دون أن يلاحظها باقي المزراعون، لابد من أنه مجرد نوع آخر ترعرع في الغابة و حدث أنه ضلّ طريقه".


ثم إلتفت إلى والدتي التي بدى عليها الفزع و قال و هو واثق من نفسه: "أليس هذا صحيحًا يا (جاسمين) ؟".


لقد شعرت والدتي في لحظتها بالصدمة لدرجة أنها ظنت أنني كدت أقوم بكشف هذه الحيلة ، لكنها استعادت ذهنها و أجابت :"نعم ، إنه مجرد كلب ضال".


ابتسم الرجل ، ثم نظرت زوجته عن كثب و قال: " إنه يرتدي نفس ملابس (يوكينا) الصغيرة، كم هذا لطيف!".


بالطبع كانت عجوزاً خرفة لذلك لم تكشف خدعتي، بينما كانت والدتي تمتم :"يا إلهي (يوكينا)، كم أنت عنيدة و متهورة".


بعد ذلك كنت متأكدًا من أنها رأت أنني قادرة على السيطرة على قدراتي، لذلك وافقت بعد إلحاح كبير على إرتيادي أقرب مدرسة من هنا بشرط أن أتعلم كيف أضبط نفسي، رغم أنّ هذا سبب بعض الصعوبات لوالدتي حتى تحضّر ملف طلب تسجيلي لأننا بالطبع لا نملك شهادة ميلاد، إلاّ أنها تمكنت من تجاوز هذه المحنة كما تفعل دائماً.


2021/01/11 · 148 مشاهدة · 495 كلمة
THE EAGLE
نادي الروايات - 2024